ولو انتقلنا إلى أوروبا فالأمر أعجب وأقرب؛ لأنها هي التي تدعي الآن أنها علمت الناس الحرية، وعلمتهم العدالة، وعلمتهم المساواة، وعلمتهم الأخلاق، فما هي هذه الحرية؟ وما هي هذه العدالة؟ وما هي هذه المساواة؟ وكيف عرفوها فضلاً عن أن يكونوا قد عرفوها لغيرهم؟ وكيف كانت أوروبا تعيش؟
لقد كانت أوروبا حتى بالنسبة لأهل الصين ، ولأهل الهند ؛ فضلاً عن الفرس أو العرب؛ وخاصة المناطق الوسطى منها والشمالية؛ كانت أحط بلاد العالم في التاريخ كله، فالهنود كان لديهم الحكماء، ولديهم العقلاء، ولديهم الحضارة، ولديهم الكتب، ولديهم التآليف والتعليم، وكذلك كان الأمر عند الفرس، وكذلك كان نوعاً ما بعض الروم الذين كانوا قريبين من الشرق، أي: الدولة البيزنطية الشرقية، التي كانت في تركيا ، وبلاد الشام .
وليس هناك مكان في العالم تغيرت خريطته مثل أوروبا ، فـأوروبا لها في كل خمسين سنة أو أقل خريطة جديدة، فهي خريطة متغيرة تماماً، فكل دولة فيها تكبر وتصغر؛ للحروب، فـألمانيا تغيرت خريطتها، فالألمان والفرنسيون كانوا يسمون بلادهم بلاد الغال، وبلاد الشمال تسمى الشعوب الشمالية والإسكندنافية، وقد كانت أمماً منحطة تمام الانحطاط، فلا تعرف العلم، ولا تهتدي بهدى، وأكثر ما تحسنت أوضاعهم عندما دخلتهم النصرانية في حوالي عام أربعمائة تقريباً، وكما تعلمون أن مجمع نيقيا هو الذي كان على أثره دخول قسطنطين ، ثم بعد ذلك بأقل من مائة سنة في أوائل القرن الخامس الميلادي دخلوا روما ، فبعد دخول النصرانية دخلت فيها هذه الشعوب، فنقلتهم النصرانية -على ما فيها من تحريف، وعلى ما فيها من ضلال وخرافة- إلى حالة أفضل، وهي بالنسبة إلى الحالة التي يريدها الله عز وجل، وإلى ما في الإسلام فإنها لا تكاد تكون شيئاً مذكوراً.